تعريف الفلول الفل) أراه رجلاً صاحب وجهين، وقد جعل النبي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الصنف شرّ الخلق فقال: "تجدون شر الناس ذا الوجهين: الذي يأتي هؤلاء بوجه، وهؤلاء بوجه"، وأخبر عن الصورة المقززة التي يبعث بها صاحب الوجهين بأن "من كان له وجهان في الدنيا كان له يوم القيامة لسانان"، وإذا كان (الفل) رضي لنفسه أن يكون تابعًا لغيره في الخير والشر؛ فقد جعله علي بن أبي طالب أردأ أنواع البشر، وذلك حين قال لكميل بن زياد: الناس ثلاثة: فعالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق، يميلون مع كل ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق.
ومن الفلول أيضًا: ولا أعني بالفلول هنا الحزب الوطني في مصر فقط، وإنما أعني بذلك كل من شارك في حزب سياسي ساعد على إفساد حياة البشر سياسيًّا أو اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا أو تعليميًّا.. حتى ولو كان في بلاد الواق واق، فكل بلد عربي به فلول، وأحزاب فلول.
ويدخل في ذلك أيضًا: الأحزاب الكرتونية التي قامت بدور المعارضة الصورية، فكان دورها دورًا تجميليًّا لوجه الحزب الحاكم القبيح، فساعدت بذلك الأنظمة البائدة على خراب البلاد وظلم العباد، خصوصًا إذا علم أن هذه الأحزاب كانت تتلقى مكافآت مالية، ودعمًا معنويًّا من الحزب الحاكم للقيام بالدور المشبوه، ويستثنى من الأحزاب ما كان له مواقف جريئة وقف فيها عن الشعب مدافعًا، وللطغمة الفاسدة معارضًا وناصحًا، ويلحق بالفلول: المنتفعون من الشرذمة الحاكمة، ومعاونوهم والمدافعون عنهم، كالإعلاميين المرتزقين، والفنانين المروجين لبطولات كاذبة، ومنهم من نسب للعلم لكنه رضي أن يكون فقيه سلطة، وعالم شرطة، وهؤلاء جميعًا شكّلوا كتيبة أو كتائب لدعم وتقوية النظام البائد، فهم مع الحكام كجنود فرعون، وقد قال ربنا فيهم: (إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ) (القصص: من الآية
.
يا شباب الأمة: لا تتهموا (فِلاًّ) بغير بينة، ولا تصنفوا أحدًا بغير دليل، فمن ثبت تواطؤه مع النظام البائد، وكان ممن أكل على موائد الحزب الوطني، فانتفع بخدماتهم، وروج لأكاذيبهم، ونافق دهاقنتهم، فافضحوا أمره، واهتكوا ستره، وأظهروا للناس عجره وبجره، وقد جاء في الأثر عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتُرْعَوْنَ عَنْ ذِكْرِ الْفَاجِرِ، اذْكُرُوهُ بِمَا فِيهِ؛ كَيْ يَعْرِفَهُ النَّاسُ، وَيَحْذَرَهُ النَّاسُ"، قال البيهقي: والحديث إن صح فإنما أراد به فاجرًا معلنًا بفجوره، أو فاجرًا يأتي بشهادة، أو يعتمد عليه في أمانة، فيحتاج إلى بيان حاله لئلا يقع الاعتماد عليه، وبالله التوفيق، وكأن البيهقي يتحدث عن فلول الحزب الوطني، فإن آثر (الفل) السلامة، واعتزل السياسية، فقد صان عرضه، وخبأه ماضيه، والله يتوب على العبد ما تاب، وهنا فالناس مأمورون بالكف عن الفلول، والستر عليهم.
للفلول أقول: كفاكم ما مضى من فساد في العهد الغابر، فقد شوهت صورتكم، وخنتم بلدكم، وأضعتم مستقبلكم ومستقبل أبنائكم، فإن أحدثتم توبة فأول خطوات هذه التوبة اعتزال للحياة السياسة مدة من الزمن، حتى تطهر نفوسكم، ويستريح شعبكم، فإن علم منكم الخير قلنا لكم: عفا الله عما سلف، وإن عدتم عدنا، وكان التحرير موعدنا، وشباب الأمة لكم بالمرصاد، وحذار ثم حذار أيها الفلول أن تتلونوا كالحرباء، وتتزينوا بزي الثورة، وهنا أذكركم بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة، وإلى هذه مرة"، فلا تتشبهوا أيها الفلول بالمنافقين.
ليس كل من له (كارنيه) (فلاًّ) من (الفلول): ولأن الإسلام علمنا الإنصاف، فإني أقولها وبكل صراحة ليس كل من استخرج له (كارنيه) الحزب الفاسد (الوطني) يعد (فلاًّ) من الفلول، وأعني بذلك من أجبر على هذا الأمر حفاظًا على ماله، أو حرصًا على إتمام مصالحه، لكن هذا مرتبط بشروط عدّة:
أ- ألا يكون متورطًا مع الحزب في أي نوع من أنواع الفساد صغر أم كبر.
ب- ألا يكون له دور في تشجيع الحزب على فساده وبغيه.
ت- ألا يكون قد تحصل على منافع ومصالح لا تحق له.
ث- ألا يكون معروفًا بالدفاع عن الحزب في العهد الغابر.
ج- أن يكون معروفًا بالصلاح بين أفراد المجتمع.
ح- أن تشهد له بعض المواقف في السابق على حبِّه لوطنه.
من خصائص (الفل): وللفلول خصائص يعرفون بها، وأهم هذه الخصائص:
أ- عدم الخوف من الله تعالى ولا الاستحياء من البشر.
ب- القدرة العالية على التسلل؛ حيث مواقع التأثير.
ت- القدرة العالية على تقبيل الأيدي ومسح الجوخ.
ث- القدرة العالية على تغيير أقنعته ومخادعة الناس.
ج- القدرة العالية على اختراع برامج كبيرة لا ينفذ منها شيئًا.
ح- الحرص على المصالح الشخصية، ولو كان ذلك على حساب مصلحة البلد.
خ- العمل على إشاعة الفوضى في البلاد ليتسنى رجوعهم وعودتهم لمواقعهم مرة أخرى.
د- التفنن في إفساد كل مناحي الحياة.
ذ- الحرص على بقاء الشعب في حالة من الفقر والعوز؛ ليظل مشغولاً بلقمة العيش بعيدًا عن إصلاح البلاد.
ر- العمل على إيجاد الفرقة بين الأطياف الساسية المختلفة.
ز- التهاون في تراث الأمة وتاريخها، والتساهل في بيعه أو إهدائه، أو حتى إبادته.
س- الحرص على إقصاء الآخر، مهما كان تفاني الآخر في خدمة البلد.
وخلاصة القول: إن انتخاب أي (فلّ) من فلول الحزب الوطني في مصر، وما كان على شاكلته في أي دولة من دول ربيع الثورات، أرى أنه انتكاسة سياسية، وخيانة وطنية، وجريمة شرعية لا يجوز لمسلم أن يقدم عليها، للأسباب التالية:
1- أن صوت المرء أمانة، والله تعالى يقول: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) (النساء: من الآية 58)، وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم: "من قلد رجلاً عملاً على عصابة- أي جماعة من الناس- وهو يجد في تلك العصابة أرضى منه؛ فقد خان الله، وخان رسوله، وخان المؤمنين".
2- أن سوء الاختيار يؤدي إلى ضياع الأمانة؛ لأنه اختيار للرجل غير المناسب فيما لا يصلح له، وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة" قال: وكيف إضاعتها؟ قال: "إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة".
3- أن اختيار هذه النوعية الفلولية دون مراعاة المصلحة العامة يخالف قول الله تعالى: (وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ) (الطلاق: من الآية 2).
4- أن الأصل في الاختيار أن يكون لإيجاد الأكفأ والأجدر: وهو ما عبر عنه القرآن على لسان ابنة العبد الصالح: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) (القصص: من الآية 26)، وبقوله سبحانه على لسان يوسف: (اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) (يوسف: من الآية 55). فهل هؤلاء المجرمون فيهم الأكفأ والأجدر والقوي الأمين، اللهم لا.
5- أن انتخاب هذه النوعية من البشر خيانة للشهداء وثورتهم، ويعيد البلاد إلى ما كانت عليه من جرم ضرب بها في كل مناحي الحياة؛ حتى ظهر الفساد في البر والبحر والجو، وتأذى منهم العالم والجاهل، والحي والميت، والإنسان والحيوان، حتى الجماد تأذى منهم بعد أن ساعدوا على إفساد تربة مصر، فتضرر الحجر والشجر والبشر.
وأخيرًا، فلا أكرم الله فلاًّ متبجحًا، ولا خائن بلد جريئًا متطاولاً، ولا أبقى الله واحدًا منهم عزيزًا في منصب ما دام مصرًّا على جرمه وفساده.