من الأسباب التي ضللت الإنسان في مدركاته،واقتضت أن يصدر علي الكون والكائنات أحكاما طائشه خفيفة
جهله بعظمه الوجود وفخامته،
هذا الجهل كما كان سببا في ضلاله في أموره الدنيويه والعلوم الطبيعيه
كان كذلك مدعاة لتضليله في أحكامة الدينية.
نعم إن من زعم بإن هذه الكرة الأرضية هي العالم أوله وأخره،
وإن تلك النجوم الزهر والكواكب المتلألئة في السماء ما هي إلا نقط لامعة
أقتضاها نظام الليل واستلزمها جمال المنظر
وأن الأرض هي كل شئ في هذا الوجود ،كانت أحكامه علي دنياه ودينه مناسبة لهذه الدرجة من العلم
فيضل عن وجوه الرقي المادي والادبي علي قدرها
في هذه الدركة النازلة وقف كل أصحاب الأديان الناكبين عن روح القرآن
وهي دركة كان فيها العالم كله قبل قرون عديدة
فجأءت عقائدهم بالخالق والرسل والدين والنفس والأخلاق والشريعة مناسبة لها،
فلما ساد العلم الأوروبي قبل ثلاثة قرون أنكر من الناس هذا الامر
فوقع بين أنصار القديم وأعضاء الجديد نزاع،فتمسك الدينيون بنصوص كتبهم وأقوال شراحه
وقابلهم العلميون بأسلحة العلم وألاته
فانضمت الحكومة إلي الأولين لأنها كانت بيد المستبدين فأوقعوا بأهل العلم قتلا وتمثيلا
ومازالوا يصاولون العلم والعلماء حتي جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا
تأبد العلم،وعزت أنصاره وتقوضت دعائم الجهل وانهدرت اركانة، وأصبح الإنسان أخوف ما يكون إذا استشرف الوجود بعينه
أو مر علي عوالمه بخياله،هنالك يجول به الفكر في مجالات
إن لم بتدارك نفسه بالرجعي المسرعة منها فجئه من رهبه الكون ما فجئه فغشي عليه أو تدله:
((إنما يخشي الله من عبادة العلماء)))
إلي هذا القدر كبر الوجود في عين أهل العلم وتأدبت أمامه نفوسهم
فكم يكون مقدار الأدب الذي اكتسبوه من وراء ذلك ولاحت آثاره في أحكامهم علي الخليقة والطبيعة والشريعة والخالق
القرآن من أوله إلي أخره يطأ من كبرياء الإنسان،ويقدع من أنف الجبريه فيه،ليريه نفسه كما هي
ويهديه إلي حقيقة ذاته،ليتسني له أن يدفعه إلي ما أعده له من مقامات الكمال والرفعة
يعرف قرآء القرآن أنه ما من موضع ذكر فيه العلم إلا وشفعه بما يري الإنسان أنه منه في دور الطفوله
وأن أمامه باحات لا تحد بالفكر ولا تدرك بالتخيل
قال تعالي:
((وما اوتيتم من العلم إلا قليلا))
((وقل ربي زدني علما))
((فلا أقسم بماتُبصرون وما لا تُبصرون))
((وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون))
((وما يعلم جنود ربك إلا هو))
مجموع هذه الأيات تكسب الإنسان فكرة صحيحة علي عظمة الوجود،
وعلي أنه قد خبئت عنا أشياء لو كٰشفت إلينا لما احتماتها طبيعتنا…
ولو تأملت قوله صلي البه عليه وسلم:
إن في الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر علي قلب بشر
لرأيت أن هذا الحديث من العوامل التي كان لها اكبر تأثير علي توسيع نطاق عقول المسلمين،
لأن الأنسان يلقي في روعة حكم علي الوجود يناسب عظمته
فيردعة عن أن يحكم علي عوالمه الخفية بعقلة الناقص
فيتأدب في إصدار الأحكام عليه وعلي ظواهره
ويقف عند كل مجهول وقوف المعتقد بأن فيه مجاهيل لم تخطر علي باله،
هذا الأدب المكتسب من مطالعه القرآن هو الذي سعي العلم الأوروبي قرونا في إشرابه نفوس الناس
لأنه أصل كبير من أصول الأدب النفسي وباعث قوي يسوق الإنسان للتكمل في العلم وعدم الوقوف منه عند حد
وقد بدأ هذا القول حال المسلمين من تهافتهم علي طلب المجهولات
وتهالكهم علي اكتناه الأسرار
ولو كانوا علي قدم أصحاب الأديان المحرفة الذين يزعمون أن الحقائق محدودة
لتركوا كل اهتمام بالمجهولات وقنعوا بما عندهم وصرفوا كل همهم في فهم كلام متقدميهم
كما هو اليوم شأن الذين انحرفوا عن القرآن وهو يزعمون أنهم من أهله
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
منقوووول للفائدة