لقاء بين عملاقين..
أحدهما، عالم الجغرافيا الفذ، والثاني الكاتب والصحفي والمؤرخ.
هل أقول إنه لقاء بين شخصين متباينين وان اتفقا في الموقف الوطني ؟.. حمدان قابع في برجه العاجي يعيش عزلة يقرأ ويبحث فيها، وهيكل ينغمس في مراقبة الأحداث ولقاء الشخصيات المختلفة.
أحدهما مثالي في أحكامه، والآخر واقعي عملي يعرف كيف يتعامل مع الأحداث والناس.
إشترك كلاهما في الا خلفيته الفكرية، وطبيعته المتميزة.
بادر الدكتور جمال حمدان موجهاً حديثه للأستاذ هيكل .
قائلا: كيف تسكت يا أستاذ هيكل علي ما يجري في مصر؟.
وأجاب الأستاذ: وماذا تريد أن أفعل؟!
قال حمدان: لا تقل لي أن من يحترف الكتابة عادة لا يتقن الحديث ولكنك تتقن الكتابة الراقية والحديث المقنع ايضا، أو أن عادة لا يعرف التفاصيل من هو غارق في الكليات، ولكنك تجمع بين المعرفة الدقيقة بالتفاصيل والكليات معاً.
عادة لا يعرف الفيلسوف المسائل العملية ولا يتقنها، وأنت تعرف الفلسفة ولديك قدرة عملية كبيرة، وعادة ما يكون المفكر السياسي غير محترف السياسة وممارسها، ولكنك مفكر وسياسي في ذات الوقت..
فلماذا لا تقود أهل مصر في طريق الخلاص؟!
واستمع هيكل بانصات،، ثم رد قائلا.. «لقد جئت اليك حتي أسمع منك، وأنت صاحب كتاب «شخصية مصر» لكي تفسر ما يجري.؟ وما تفسيرك لتدهور موقف مصر السياسي.؟ ولماذا رحب البعض بهذه الاتفاقية.؟
وهل تفسيرك حول المجتمع النهري والسيطرة المركزية للسلطة،. يكفي تفسيراً لما نشاهده.؟
ويرد د. جمال حمدان في كلمات كالطلقات.. «الطغيان» هو الذي أوصلنا الي هذه الحالة، مما جعل قبول الرأي الواحد عادة ذميمة، فالطغيان هو المعزوفة الحزينة للتاريخ المصري، مما خنق كل مبادرة، وتاريخيا يعتبر الحاكم إلاها حتي يسقط.
وتاريخيا يضع نفسه فوق النقد حتي يرحل، وهو التاريخ والجغرافيا حتي يأتي غيره.
وأضاف....
«ومازلنا بعيدين عن التعليم الحقيقي. الذي يجعل الشعب كله خلية متحركة، ولا يرغب أحد رغبة حقيقية في أن يتعلم الشعب، فعندئذ سيعرف حقوقه ويتعلم كيف يطالب بها، وكيف يحصل عليها..»
ويقول ولكن دعني أسألك يا أستاذ هيكل.. ماهذا الذي خلفته وراءك في الأهرام، وما هذا الذي يكتبه كبار الكتاب، وكأنهم يحملون المباخر لكل قرارات السادات..؟
ويرد الأستاذ هيكل..
«لست مسئ
فلم أصنع د. حسين فوزي أو توفيق الحكم أو نجيب محفوظ.
«فماذا بشأن ما يكتبه جيل صحفي جيد، تتلمذ علي يديك، وبدأ العمل الصحفي معك..؟
وانتقل الحديث بعد ذلك الي مشاريع كل منهما، وذكر الاستاذ هيكل الكتاب الذي يعده للنشر، والذي يؤكد فيه علي الذاكرة التاريخية لمصر..
ووعد د. جمال حمدان ان يزور الأستاذ هيكل لاستئناف الحوار عندما تتحسن ظروفه الصحية.
وبدأت بينهما علاقة حميمة ومناقشات خصبه حول المستقبل، يملك الأستاذ وحده الكشف عنها.
منقول " جريدة العربي الناصري "
مصطفى نبيل