موقف جماعة الإخوان من تأييد مرشح رئاسي يعد من أصعب المواقف التي يتحتم على الجماعة أن تتخذها ، فالجماعة التي عانت من كثرة الانشقاقات عنها تواجه الأن ضغطاً غير مسبوق تتنوع مصادره وتتعارض وتتناقض أيضًا
فداخلياً تدرك الجماعة جيدا أن السلطة التي جنتها الجماعة مؤاخرًا تتقاطع مع المسؤولية التي تحملتها وتتحملها وبالتالي لا تريد الجماعة أن تنفرد بكل السلطة فتتحمل كل المسؤولية في هذا الوقت العصيب والغامض من تاريخ مصر .
كذلك تدرك الجماعة جيدًا أن هبوطًا حادًا أصاب شعبيتها الجماهيرية بسبب ضعف الأداء البرلماني وتقلص الدور الخدمي للجماعة وانصرافها عن مستحقات الثورة و هو دفع الجماعة لعدم الدفع بمرشح رئاسي لها .
وهذا وان كان بالتأكيد خفف الأعباء عن كاهل الجماعة إلا انه لم يزيحها جميعاً فلا زالت الجماعة تواجه تحديا عصيبًا لإعلان دعمها لمرشح خارجها
وفي الوقت الذي عجزت فيه القوى العلمانية على الدفع بمرشح قوى يمكنه الفوز اعتمادًا على نفسه فقط ..اضطرت الجماعة تحت ضغط علاقتها بالعسكر لاستبعاد تأييد أي مرشح ثوري ، كذلك دفعتها علاقتها الوليدة بالغرب إلى استبعاد تأيد مرشح إسلامي جاد .
بينما عجز حلفائها العلمانيين على تقديم مرشح قوى لحفظ للجماعة ماء وجهها كما أسلفنا القول
ثم يأتي الموقف الداخلي للجماعة ليزيد الوضع سوءا فالشباب المسلم الذي بات يرى إمكانية تحقيق هدفه السامي في حكم إسلامي لا يجد تفسيرًا مقنعا لانصراف الجماعة عن هذا الهدف الذي تربي عليه وضحى من أجله بالغالي والثمين .
وهو ما أثار حالة من الغضب والاستياء انعكست على ردة فعل الشباب القوية على خطاب المرشد حين طرحه فكرة الرئيس التوافقي وهو ما دفع الجماعة للتراجع عن هذه الفكرة .
كذلك لا يدرك الشارع المصري هذا التناقض الصارخ بين شعار الجماعة الذهبي في الانتخابات وبين سلوكها البرجماتي تجاه مرشح الرئاسة !
وبينما قد يرضى الشارع بمبررات التريث والتفحص التي يرددها قيادات الجماعة يدرك الشباب داخلها أن زيف هذه المبررات ويمارسون ضغطًا لحسم الموقف
والاستطلاعات التي أجرتها الجماعة مؤاجرًا أظهرت أن قرابة 30 بالمائة من شباب يؤيدون حازم صلاح أبو إسماعيل كمرشح رئاسي لأسباب كثيرة أهمها تاريخه المتلاحم شخصيا وعائلا مع الجماعة وبرنامجه الإسلامي الواضح بالإضافة لشخصيته الآسرة وخبرته الطويلة .
ثم يأتي الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في المركز الثاني بين شباب الجماعة باعتباره أحد القيادات التاريخية للجماعة وعلاقاته المتشعبة بشبابها .
وإذا كان هذا هو موقف الشباب فأن موقف القيادة يأتي مغايرًا تمامًا لهذا الاتجاه ...
النسبة لأبو الفتوح فبخلاف الخلاف الشخصي بينه وبين القيادات المتنفذة في مكتب الإرشاد يعلم الجميع أن الجماعة لم ولن تدعم منشقا عنها تحت أي ظرف كان ، ثم يأتي الموقف الثوري لأبو الفتوح وهجومه على العسكر باستمرار كدافع لعد دعمه من الجماعة .
أما أبو إسماعيل فيزيد على الموقف الثوري القوي أيضًا بكونه شخصية مستقلة لن يصب نجاحها أبدًا في إناء الجماعة بل ربما سيكون خصمًا سياسيًا جديدًا لها
لقد بنت الجماعة مركزها السياسي القوي من جراء احتكارها الدائم للبرنامج السياسي الإسلامي ورغم أن حازم يتمتع بشعبية فردية لا تقارن بشعبية الجماعة فإنه إذا قُدّر لبرنامجه السياسي الإسلامي النجاح فهذا بلا شك سيعد مزاحمة للجماعة في أهم خصائصها وسيجتزئ من رصيدها الشعبي لاسيمًا مع ضعف أدائها البرلماني .
وإذا كانت هذه هي خيارات الجماعة مع أكبر متنافسين فإن خياراتها مع المرشحين الأخريين لا تقل صعوبة ، فموسى وشفيق خارج حسابات الجماعة لخلفيتهما الفلولية ، والعوا لم يقتنع به سوى المجلس العسكري وخلفيته الإسلامية تضعه في مواجهة مع الإخوان عكس ما يتصوره الكثيرون
أما باسم خفاجي فالكثيرون لا ينظرون إليه باعتباره مرشح حقيقي وسط غموض يحيط بمواقفه وبرنامجه وحتى فكره .
والجماعة وسط هذا الكم الهائل من الحسابات المتشابكة والضغوط تبدو في موقف لا تحسد عليه وليس لديها – على الأرجح -سوى خياران فحسب
الأول : البحث عن شخصية تستطع إرضاء أكثر الأطراف – وليس جميعها- ثم الضغط عليها للترشح وهذه الشخصية لن تكون إسلامية إلا إذا كانت من داخل صفوف الجماعة
وقد حاولت الجماعة بالفعل هذا فضغط على شخصيات إسلامية من داخلها وأخرى محسوبة عليها لكن حتى اللحظة لم يستحب أحد.
الثاني : هو أن تضحي الجماعة بشيء من ثقلها السياسي وتتمنع عن تأييد أياً من المرشحين وتترك لأفرادها حرية الاختيار بدون توجيه منها ، وهذا بلا شك هو الحل الأمثل والأسلم للجماعة لولا ما يترتب عليه من إضعاف الموقف السياسي للجماعة في الانتخابات وهو ما يصعب على الجماعة تقبله .
هذا ما يمكن قرأته وتحليله من موقف جماعة الإخوان أما ما سيحدث فعلا فهو في علم الله وحده حيث تظل الضغوط والتوازنات –للأسف- هي المحدد الأهم له وليس المصلحة الشرعية كما يفترض .
أما أبعاد الموقف السلفي فسوف أتناولها في المقال التالي بإذن الله تعالى
__________________