رأى الدكتور عماد عبد اللطيف، مدرس البلاغة وتحليل الخطاب، بكلية الآداب جامعة القاهرة، أن المناظرة التى دارت بين المرشحين لرئاسة الجمهورية، عمرو موسى، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، أنها أشبه بـ"مباراة ملاكمة"، حيث حاول كل طرف استعراض عناصر قوة برنامجه الانتخابى ومصداقية شخصيته وثراء تاريخه، وأن هذه المباراة لم تخل من نغز سياسى وضربات تحت الحزام.وإلى نص الحوار..ما هو أفضل وصف للمناظرة؟
أميل إلى وصف المناظرة بأنها "مباراة ملاكمة". فقد حاول كل طرف استعراض عناصر قوة برنامجه الانتخابى ومصداقية شخصيته وثراء تاريخه، وقام فى نفس الوقت بتوجيه ضربات قوية لشخصية الخصم وبرنامجه وتاريخه، وكعادة مباريات الملاكمة لم تخل المناظرة من نغز سياسى وضربات تحت الحزام ودفع الخصم إلى ركن الحلبة تمهيدًا للقضاء عليه.
وهل كانت الأسئلة المطروحة على المرشحين مؤثرة فى المناظرة؟
لم تكن الأسئلة التى وجهها من أداروا المناظرة هى الفيصل فى حسم نتيجتها، فقد كانت هذه الأسئلة متوقعة مسبقًا، ولا بد أن كل مرشح تناقش باستفاضة مع معاونيه ومستشاريه فى أفضل الإجابات الممكنة لكل منها، أما العنصر الحاسم فى المناظرة فهو الصورة التى حاول كل منهما رسمها لنفسه ولخصمه أمام المشاهدين.
وما الصورة التى رسمها الدكتور أبو الفتوح لنفسه ولخصمه؟
أنه مرشح الثورة فى مواجهة مرشح الفلول. ونجح إلى حد كبير فى ترسيخ هذه الصورة طوال المناظرة بإشاراته المستمرة إلى "جرائم" نظام المخلوع "مبارك"، وحديثه المتصل عن الثورة وشهدائها ومطالبها. كما تكررت تعبيراته التى تضع عمرو موسى فى سلة نظام "مبارك" وفلوله، وتضعه هو فى سلة الثورة ورجالها.
وهل اختلفت الصورة التى قدمها عمرو موسى لنفسه عن صورة أبو الفتوح؟
بالطبع، فقد حاول عمرو موسى تصوير المناظرة على أنها مبارة بين الرئيس "عمرو موسى" ومرشح للرئاسة "عبد المنعم أبو الفتوح"، فقد تحدث عمرو موسى بلغة أقرب إلى لغة الرئيس الفعلى منها إلى لغة مرشح الرئاسة. فهو يستخدم أفعال الماضى والمضارع وليس المستقبل فى حديثه عما سيفعله فى حال كونه رئيسًا، مثل قوله "لم أنتظر أن أصبح رئيسًا" ردًا على سؤال حول ما كان سيفعله فى أحداث العباسية لو كان رئيسًا، أو قوله أثناء حديثه عن الأجور "أنا ملتزم أمام 6 مليون موظف"، وليس "أنا سوف أكون ملتزمًا أمام 6 مليون موظف".
وهل نجح عمرو موسى فى تصوير نفسه بوصفه مرشحًا علمانيًا؟
حاول عمرو موسى تقديم نفسه على أنه المرشح العلمانى للرئاسة فى مقابل مرشح إسلامى. وضغط بأساليب متعددة على مسألة انتماء الدكتور أبو الفتوح للإخوان المسلمين؛ ووجه إليه سؤالاً مباشرًا عن بيعته للمرشد، وتلميحات عديدة توحى باستمرار ارتباط الدكتور أبو الفتوح بالجماعة؛ مثل استخدام عمرو موسى لتعبير "إخوانك"، بدلاً من تعبير "أفراد حملتك الانتخابية"، أو "معاونيك"، وذلك أثناء إجابته عن سؤال أبو الفتوح بخصوص تأييد عمرو موسى لترشُّح مبارك لفترة رئاسة أخرى. واستخدم أبو الفتوح وسيلة التشكيك فى أهلية المصدر لمواجهة هذه الاتهامات؛ حين قال بأنه يبدو أن عمرو موسى لا يتابع الأخبار، لأنه استقال من الإخوان المسلمين منذ أكثر من عام.
وماذا عن الخلفية الإسلامية لـ"أبو الفتوح"؟
فى أجزاء قليلة صوَّر أبو الفتوح كذلك تصوير المناظرة على أنها مناظرة بين مرشح إسلامى ومرشح غير إسلامى. وحقق ذلك من خلال استخدامه لآيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية. كما كان سؤاله لـ"موسى" بخصوص تعبير "المبادئ العامة للشريعة"، الذى ورد فى كلامه، محاولة لتصوير نفسه على أنه يدافع عن الشريعة فى مقابل من يحاول الانتقاص من دورها فى الدستور.
هذه المناظرة تدور حول منصب الرئيس، فكيف صور كل منهما هذا المنصب؟
استخدم أبو الفتوح فى الجزء الأكبر من المناظرة ضمير الجمع "نحن" بدلاً من ضمير المفرد "أنا". وهو ما يعبر عن رغبته فى إنكار الذات لصالح التركيز على فريق العمل. وينسجم هذا الاستخدام مع تصوره لمنصب الرئيس على أنه "خادم للشعب" بحسب تعبيره، يعمل ضمن فريق عمل تكون مهمته التنسيق بين أفراده. وفى المقابل فإن عمرو موسى استخدم بشكل مفرط ضمير المتكلم "أنا"، بدلاً من "نحن"، فى معظم كلامه.
وما دلالة ذلك؟
هناك دلالة نفسية وهى الميل للنرجسية، ودلالة اجتماعية هى الفردية، وسياسية هى احتمال الاستئثار بالسلطة. كما أن الاستخدام المفرط لكلمة "أنا"، يتشابه مع إفراط استخدام الرئيس المخلوع حسنى مبارك لنفس الضمير. وهو ما قد يكون علامة على تفضيل عمرو موسى للأسلوب الفردى فى ممارسة السلطة، وهو الأسلوب الذى يتجلى فى تعبير "أنا الدولة، والدولة أنا" الذى ينسب إلى لويس الرابع عشر (1643-1715) ملك فرنسا.
وما السمات الشخصية للمرشحين كما تبدو فى المناظرة؟
أبرزت المناظرة ميل عمرو موسى إلى التصيد والاعتداد المبالغ فيه بالذات الذى يكاد يصل إلى حد النرجسية، والاعتماد على تشويه الخصم بدلاً من تقديم أفكار وآراء أصيلة. بينما بدا أبو الفتوح متحرزًا وهادئًا للغاية، ولم ينجح فى توظيف إشاراته الحركية أو نبرات صوته بالبراعة التى ظهر بها فى خطب سابقة.
وما تقييمك الإجمالى للمناظرة؟
المناظرة فى الإجمال حدث استثنائى فى تاريخ الخطاب السياسى المصرى والعربى. وعلى الرغم من كل ما شابها من عوار، فإننى آمل أن تفتح الطريق أمام خطاب سياسى عربى جديد، يقوم على التحاور والنقاش والاعتراف بالآخر، ومقارعة الحجة بالحجة والدليل بالدليل، ويعلن طى صفحة الخطاب السياسى المستبد إلى الأبد. وآمل أن تتضمن المناظرات القادمة جهدًا أكبر فى التفكير فى مشكلات الوطن، واقتراح حلول جذرية مبدعة لها، بدلاً من الاكتفاء بمجرد تصيد أخطاء الآخرين.
موقع اليوم السابع