قلم / أشرف محيى الدين - مدونة افكار وتساؤلات
في حديقة جاري المحاذية لشرفة منزلي الخلفية ، حضر ضيف خفيف الظل يمشي متثاقلا إلى الأرض ، وقد التفت من ورائه جموع الأطفال المتزاحمة بفضول يسبقها لمشاهدة ذلك الحيوان الأليف في بث حي ومباشر ، بعد أن كانوا دوما يكتفون بمشاهدته من خلال أفلام كرتونية متحركة على شاشات التلفاز أو من خلف نوافذ السيارات في أثناء عبورهم لطريق ريفي في رحلة عابرة مع الأهل ، أو عند مطالعة كتب المناهج المدرسية وتفاصيلها النظرية التي لا تخلو من الضجر .
يرفع الجار يده بحركة حازمة تشبه حركات حكام مباريات كرة القدم حين يشهرون البطاقة الحمراء في وجوه اللاعبين ، فيبتعد الأطفال برؤوس تكاد تلامس الأرض من فرط الخيبة ، ويتابع مسيره برفقة ضيفه الذي لا يعلم ما سيؤول إليه مصيره بعد بضع أيام ، ثم يتركه وحيدا في الحديقة بعد أن اطمأن لقيد عنقه بحبل غليظ إلى جذع الشجرة ، وعلى الرغم من هذه الضيافة المستهجنة إلا أنه لم يبدي ردة فعل تثير الإعتراض ، بل ارتسمت على وجه علامات الغبطة والسرور ، وذلك حين وجد من حوله مساحات شاسعة من الأعشاب الخضراء الطازجة التي لن يشاركه خاروف في أكلها ، فطرق بحوافره الأرض وراح يثغو بايقاعات متضاربة الألحان ، ثم ليلمحني وأنا أتلصص عليه وأراقبه بغيظ لم أفلح بكتمانه والتحايل عليه بابتسامات زائفة كرجال السياسة حين يلتقون بأفراد الشعب البائسين ، فلم يكترث ولم يلقي بالا لحركات يدي التي كانت تتوعده بالذبح ، وتابع التهام طعامه وظل يثغو دون كلل أو ملل .
وحينها فقدت أعصابي وارتفعت نسبة الضغط والسكري فوق معدلاتها الطبيعية في الدم ، وصرخت على ذلك الخاروف المتعجرف ، بسؤال عن سبب سعادته المفرطة تلك وهو سيغادر هذه الدنيا بعد يومين على أبعد تقدير ؟
فأخبرني الخاروف أنه سعيد لأن المساكين والفقراء والمحتاجين الذين يبكون طوال العام و ينامون بحثا عن كسرة خبز جاف ، سيبتسمون بعد أول قطرة دم تبارح عنقه على الأرض ، أنهم سيأكلون من لحمه ويشكرون الله خالقه وموجده ، فأي سعادة ستضاهي سعادته حين يجد كل هؤلاء سعداء ؟
فكرت في كلمات هذا الخاروف وسألت نفسي حائرا : (( لو فكر البشر بطريقة هذا الخاروف ، فهل سيظل على وجه هذه الأرض من شقي أو محروم ؟ )) ، ثم أغلقت نافذتي ورتبت أوراقي ودفاتري وكتبت بضع كلمات من حروف للتمني بأن يمضي كل يوم وليس كل عيد والجميع بألف خير ، فكم أصبحت أخشى من مثل كان يردده جدي قديما : (( البارحة أفضل من اليوم ، واليوم أفضل من غدا )) ، ولكن لعل لكل قاعدة شواذ وتكون الأيام القادمة من زماننا هذا أفضل .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
بواسطة أشرف محيي الدين - مدونة أفكار وتساؤلات